فصل: فصل: ما يقوم به العبدُ لله تعالى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل: ما يقوم به العبدُ لله تعالى:

الأغنياء أنفقوا من نعمهم على عاقبتهم. والفقراء أنفقوا من هممهم على مَنَابَتِهمْ. ويقال العبد بقلبه وببدنه وبماله فبإيمانهم بالغيب قاموا بقلوبهم، وبصلاتهم قاموا بنفوسهم، وبإنفاقهم قاموا بأموالهم، فاستحقوا خصائص القربة من معبودهم، وحين قاموا لِحَقِّه بالكلية استوجبوا كمال الخصوصية. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{الذين يؤمنون بالغيب} الإيمان: التصديق، {وما أنت بمؤمن لنا} وأصله من الأمن أو الأمانة، ومعناهما الطمأنينة، منه: صدقة، وأمن به: وثق به، والهمزة في أمن للصيرورة كأعشب، أو لمطاوعة فعل كأكب، وضمن معنى الاعتراف أو الوثوق فعدى بالباء، وهو يتعدى بالباء واللام {فما آمن لموسى} والتعدية باللام في ضمنها تعد بالباء، فهذا فرق ما بين التعديتين.
الغيب: مصدر غاب يغيب إذا توارى، وسمى المطمئن من الأرض غيبًا لذلك أو فعيل من غاب فأصله غيب، وخفف نحو لين في لين، والفارسي لا يرى ذلك قياسًا في بنات الياء، فلا يجيز في لين التخفيف ويجيزه في ذوات الواو، ونحو: سيد وميت، وغيره قاسه فيهما.
وابن مالك وافق أبا علي في ذوات الياء.
وخالف الفارسي في ذوات الواو، فزعم أنه محفوظ لا مقيس، وتقرير هذا في علم التصريف.
{ويقيمون الصلاة} والإقامة: التقويم، أقام العود قومه، أو الأدامة أقامت الغزالة سوق الضراب، أي أدامتها من قامت السوق، أو التشمر والنهوض من قام بالأمر، والهمزة في أقام للتعدية.
الصلاة: فعلة، وأصله الواو لاشتقاقه من الصلى، وهو عرق متصل بالظهر يفترق من عند عجب الذنب، ويمتد منه عرقان في كل ورك، عرق يقال لهما الصلوان فإذا ركع المصلي انحنى صلاة وتحرك فسمي بذلك مصليًا، ومنه أخذ المصلي في سبق الخيل لأنه يأتي مع صلوى السابق.
قال ابن عطية: فاشتقت الصلاة منه إما لأنها جاءت ثانية الإيمان فشبهت بالمصلي من الخيل، وإما لأن الراكع والساجد ينثني صلواه، والصلاة حقيقة شرعية تنتظم من أقوال وهيئآت مخصوصة، وصلى فعل الصلاة، وأما صلى دعا فمجاز وعلاقته تشبيه الداعي في التخشع والرغبة بفاعل الصلاة، وجعل ابن عطية الصلاة مما أخذ من صلى بمعنى دعا، كما قال:
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي ** نومًا فإن لجنب المرء مضطجعًا

وقال:
لها حارس لا يبرح الدهر بيتها ** وإن ذبحت صلى عليها وزمزما

قال: فلما كانت الصلاة في الشرع دعاء، وانضاف إليه هيئآت وقراءة، سمى جميع ذلك باسم الدعاء والقول إنها من الدعاء أحسن، انتهى كلامه.
وقد ذكر أن ذلك مجاز عندنا، وذكرنا العلاقة بين الداعي وفاعل الصلاة، ومن حرف جر.
وزعم الكسائي أن أصلها منا مستدلًا بقول بعض قضاعة:
بذلنا مارن الخطى فيهم ** وكل مهند ذكر حسام

منا أن ذر قرن الشمس حتى ** أغاب شريدهم قتر الظلام

وتأول ابن جني، رحمه الله، على أنه مصدر على فعل من منى بمنى أي قدر.
واغتر بعضهم بهذا البيت فقال: وقد يقال منا.
وقد تكون لابتداء الغاية وللتبعيض، وزائدة وزيد لبيان الجنس، وللتعليل، وللبدل، وللمجاوزة والاستعلاء، ولانتهاء الغاية، وللفصل، ولموافقة في مثل ذلك: سرت من البصرة إلى الكوفة، أكلت من الرغيف، ما قام من رجل، {يحلون فيها من أساور من ذهب} {في آذانهم من الصواعق} {بالحياة الدنيا من الآخرة} {غدوت من أهلك} قربت منه، {ونصرناه من القوم} {يعلم المفسد من المصلح} {ينظرون من طرف خفي} {ماذا خلقوا من الأرض} ما تكون موصولة، واستفهامية، وشرطية، وموصوفة، وصفة، وتامة.
مثل ذلك: {ما عندكم ينفد} مال هذا الرسول، {ما يفتح الله للناس من رحمة} مررت بما معجب لك، لأمر ما جدع قصير أنفه، ما أحسن زيدًا.
{رزقناهم} الرزق: العطاء، وهو الشيء الذي يرزق كالطحن، والرزق المصدر، وقيل الرزق أيضًا مصدر رزقته أعطيته، {ومن رزقناه منا رزقًا حسنًا} وقال:
رزقت مالًا ولم ترزق منافعه ** إن الشقي هو المحروم ما رزقا

وقيل: أصل الرزق الحظ، ومعاني فعل كثيرة ذكر منها: الجمع، والتفريق، والإعطاء، والمنع، والامتناع، والإيذاء، والغلبة، والدفع، والتحويل، والتحول، والاستقرار، والسير، والستر، والتجريد، والرمي، والإصلاح، والتصويت.
مثل ذلك: حشر، وقسم، ومنح، وغفل، وشمس، ولسع، وقهر، ودرأ، وصرف، وظعن، وسكن، ورمل، وحجب، وسلخ، وقذف، وسبح، وصرخ.
وهي هنا للإعطاء نحو: نحل، ووهب، ومنح.
{ينفقون} الإنفاق: الإنفاذ، أنفقت الشيء وأنفذته بمعنى واحد، والهمزة للتعدية، يقال نفق الشيء نفذ، وأصل هذه المادة تدل على الخروج والذهاب، ومنه: نافق، والنافقاء، ونفق. اهـ.

.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال عليه الرحمة:
{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بالغيب} إما موصولٌ بالمتقين، ومحلُّه الجرُّ على أنه صفةٌ مقيِّدةٌ له إن فُسّر التقوى بترك المعاصي فقط، مترتبةٌ عليه ترتّبَ التحلية على التَّخْلية، وموضِّحةٌ إن فُسِّر بما هو المتعارَفُ شرعًا والمتبادَرُ عُرفًا، من فعل الطاعات وتركِ السيئات معًا، لأنها حينئذٍ تكون تفصيلًا لما انطوى عليه اسمُ الموصوف إجمالًا، وذلك لأنها مشتملة على ما هو عمادُ الأعمال وأساسُ الحسنات، من الإيمان والصلاة والصدقة، فإنها أمهاتُ الأعمال النفسانية والعباداتِ البدنية والمالية المستتبِعة لسائر القُرَب الداعيةِ إلى التجنب عن المعاصي غالبًا، ألا ترى إلى قوله تعالى: {إِنَّ الصلاة تنهى عَنِ الفحشاء والمنكر} وقوله عليه السلام: «الصلاةُ عمادُ الدين، والزكاةُ قنطرةُ الإسلام» أو مادحةً للموصوفين بالتقوى المفسَّرِ بما مر من فعل الطاعات وتركِ السيئات.
وتخصيصُ ما ذكر من الخِصال الثلاثِ بالذكر لإظهار شرفِها وإنافتها على سائر ما انطوى تحت اسمِ التقوى من الحسنات، أو النصبُ على المدح بتقدير أعني أو الرفعُ عليه بتقدير هم، وإما مفصولٌ عنه مرفوعٌ بالابتداء خبرُه الجملةُ المصدّرةُ باسم الإشارة كما سيأتي بيانُه، فالوقفُ على {المتقين} حينئذ وقفٌ تام، لأنه وقف على مستقلٍ، ما بعده أيضًا مستقل، وأما على الوجه الأول فحسنٌ لاستقلال الموقوف عليه، غيرُ تامَ لتعلق ما بعده به وتبعيّته له، أما على تقدير الجر على الوصفية فظاهر، وأما على تقدير النصبِ أو الرفع على المدح فلما تقرَّر من أن المنصوبَ والمرفوعَ مدحًا وإن خرجا عن التبعية لما قبلهما صورةً حيث لم يتبعاه في الإعراب، وبذلك سُمّيا قطعًا لكنهما تابعان له حقيقة، ألا ترى كيف التزموا حذفَ الفعل والمبتدأ في النصب والرفع رَومًْا لتصوير كلَ منهما بصورة متعلِّقٍ من متعلقات ما قبله وتنبيهًا على شدة الاتصال بينهما، قال أبو علي: إذا ذُكرت صفاتٌ للمدح وخولف في بعضها الإعرابُ فقد خولف للافتنان، أي للتفنن الموجب لإيقاظ السامع وتحريكه إلى الجِدّ في الإصغاء، فإن تغيير الكلامِ المَسوقِ لمعنىً من المعاني وصَرْفَه عن سَننه المسلوكِ يُنبئ عن اهتمام جديد بشأنه من المتكلم، ويستجلب مزيدَ رغبةٍ فيه من المخاطب.
إن قيل: لا ريب في أن حال الموصول عند كونه خبرًا لمبتدأ محذوف كحاله عند كونه مبتدأ خبرُه {أولئك على هدى} في أنه ينسبك به جملةً اسميةً مفيدة، لاتصاف المتقين بالصفات الفاضلة، ضرورةَ أن كلًا من الضمير المحذوف والموصولِ عبارةٌ عن المتقين. وأن كلًا من اتصافهم بالإيمان وفروعِه، وإحرازهم للهدى والفلاحِ من النعوت الجليلة، فما السرُّ في أنه جُعل ذلك في الصورة الأولى من توابع المتقين، وعُدَّ الوقفُ غيرَ تام، وفي الثانية مقتطعًا عنه، وعُدَّ الوقفُ تامًّا؟ قلنا: السرُّ في ذلك أن المبتدأ في الصورتين وإن كان عبارة عن المتقين، لكن الخبرَ في الأولى لما كان تفصيلًا لما تضمنه المبتدأ إجمالًا حسبما تحققته معلومُ الثبوت له بلا اشتباه، غيرُ مفيد للسامع سوى فائدةِ التفصيلِ والتوضيح، نُظم ذلك في سلك الصفاتِ مراعاةً لجانب المعنى، وإن سمي قطعًا مراعاة لجانب اللفظ، كيف لا وقد اشتهر في الفن أن الخبر إذا كان معلومَ الانتساب إلى المُخبَر عنه فحقُّه أن يكون وصفًا له، كما أن الوصف إذا لم يكن معلومَ الانتساب إلى الموصوف حقُّه أن يكون خبرًا له، حتى قالوا: إن الصفاتِ قبل العلم بها أخبارٌ، والأخبارُ بعد العلم بها صفات.
وأما الخبرُ في الثانية فحيث لم يكن كذلك بل كان مشتملًا على ما لا ينبئ عنه المبتدأ من المعاني اللائقة كما ستحيط به خبرًا مفيدًا للمخاطب فوائدَ رائقة، جُعل ذلك مقتطعًا عما قبله محافظةً على الصورة والمعنى جميعًا.
والإيمانُ إفعالٌ من الأمن المتعدّي إلى واحد، يقال آمنتُه، وبالنقل تعدى إلى اثنين، يقال آمنَنيه غيري، ثم استُعمل في التصديق، لأن المصَدِّقَ يؤمِنُ المُصَدَّق، أي يجعله أمينًا من التكذيب والمخالفة، واستعماله بالباء لتضمينه معنى الاعتراف، وقد يطلق على الوثوق، فإن الواثقَ يصير ذا أمنٍ وطُمأنينة، ومنه ما حُكي عن العرب ما آمِنْتُ أن أجد صحابة، أي ما صِرْتُ ذا أمنٍ وسكون، وكلا الوجهين حسنٌ هنا وهو في الشرع لا يتحقق بدون التصديق بما عُلم، ضرورةَ أنه من دين نبينا عليه الصلاة والسلام، كالتوحيد والنبوة والبعث والجزاء ونظائرها، وهل هو كافٍ في ذلك أو لابد من انضمام الإقرار إليه للتمكن منه؟
والأول رأيُ الشيخ الأشعري ومن شايعه، فإن الإقرارَ عنده منشأٌ لإجراء الأحكام، والثاني مذهبُ أبي حنيفة ومن تابعه وهو الحق، فإنه جعلهما جزأين له، خلا أن الإقرارَ ركنٌ محتمِلٌ للسقوط بعذر، كما عند الإكراه، وهو مجموعُ ثلاثةِ أمور: اعتقادُ الحق، والإقرارُ به، والعملُ بموجبه عند جمهورِ المحدثين والمعتزلة والخوارج، فمن أخل بالاعتقاد وحده فهو منافق، ومن أخل بالإقرارِ فهو كافر، ومن أخل بالعمل فهو فاسق اتفاقًا وكافرٌ عند الخوارج، وخارجٌ عن الإيمان غيرُ داخلٍ في الكفر عند المعتزلة.
وقرئ: {يُومنون} بغير همزة، والغيبُ إما مصدرٌ وُصف به الغائبُ مبالغةً كالشهادة في قوله تعالى: {عالم الغيب والشهادة} أو فعيل خُفّف كقَتْل في قتيل وهيْنٍ في هيّن، وميْتٍ في ميِّت، لكن لم يُستعمل فيه الأصلُ كما استعمل في نظائره. وأيًّا ما كان فهو ما غاب عن الحس والعقلِ غَيْبة كاملةً، بحيث لا يُدرَك بواحد منهما ابتداءً بطريق البَداهة، وهو قسمان: قسم لا دليل عليه، وهو الذي أريد بقوله سبحانه: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} وقسم نُصب عليه دليل كالصانع وصفاتِه، والنبواتِ وما يتعلق بها من الأحكام والشرائع، واليومِ الآخر وأحوالِه من البعث والنشورِ والحسابِ والجزاء، وهو المرادُ هاهنا، فالباءُ صلةٌ للإيمان، إما بتضمينه معنى الاعتراف، أو بجعله مجازًا من الوثوق، وهو واقعٌ موقعَ المفعول به، وإما مصدرٌ على حاله كالغَيبة، فالباءُ متعلِّقةٌ بمحذوفٍ وقع حالًا من الفاعل كما في قوله تعالى: {الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب} وقوله تعالى: {لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} أي يؤمنون ملتبسين بالغيبة، إما عن المؤمن به، أي غائبين عن النبي صلى الله عليه وسلم غيرَ مشاهدين لما فيه من شواهد النبوة، لما رُوي أن أصحابَ ابنِ مسعود رضي الله عنه، ذكروا أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيمانَهم، فقال رضي الله عنه: إن أمرَ محمَّدٍ عليه الصَّلاة والسَّلام كان بيِّنًا لمن رآه، والذي لا إله غيرُه ما آمن مؤمنٌ أفضلَ من الإيمان بغيب، ثم تلا هذه الآية.
وإما عن الناس، أي غائبين عن المؤمنين، لا كالمنافقين الذين إذا لقُوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا خلَوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم.
وقيل: المرادُ بالغيب القلبُ، لأنه مستور، والمعنى يؤمنون بقلوبهم لا كالذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، فالباءُ حينئذٍ للآلة، وتركُ ذكرِ المؤمَن به على التقادير الثلاثةِ إما للقصد إلى إحداث نفسِ الفعلِ كما في قولهم فلانٌ يُعطي ويمنع، أي يفعلون الإيمان، وإما للاكتفاء بما سيجيء، فإن الكتبَ الإلهية ناطقةٌ بتفاصيل ما يجب الإيمانُ به.
{وَيُقِيمُونَ الصلاة} إقامتُها عبارةٌ عن تعديل أركانها، وحفظِها من أن يقع في شيء من فرائضها وسننها وآدابِها زيغٌ، من إقامة العُودِ إذا قوّمه وعدّله. وقيل عن المواظبة عليها، مأخوذٌ من قامت السُّوق إذا نفَقت، وأقمتُها إذا جعلتُها نافقة، فإنها إذا حوفظ عليها كانت كالنافق الذي يُرغب فيه، وقيل عن التشمُّر لأدائها عن غير فتورٍ ولا تَوانٍ، من قولهم قام بالأمر وأقامه إذا جدَّ فيه واجتهد، وقيل عن أدائها، عبَّر عنه بالإقامة لاشتماله على القيام، كما عبَّر عنه بالقنوت الذي هو القيامُ وبالركوع والسجود والتسبيح، والأولُ هو الأظهر، لأنه أشهرُ، وإلى الحقيقة أقربُ، والصلاةُ فَعْلةٌ، من صلَّى إذا دعا، كالزكاة من زكّى، وإنما كُتبتا بالواو مراعاةَ اللفظِ المفخّم، وإنما سُمِّيَ الفعلُ المخصوصُ بها لاشتماله على الدعاء، وقيل: أصلُ صلى حرَّك الصَّلَوَيْنِ، وهما العظمان الناتئان في أعلى الفخِذين، لأن المصليَ يفعله في ركوعه وسجوده، واشتهارُ اللفظ في المعنى الثاني دون الأول لا يقدح في نقله عنه، وإنما سُمِّيَ الداعي مصليًا تشبيهًا له في تخشّعه بالراكع والساجد.
{وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ} والرزقُ في اللغة العطاءُ، ويطلق على الحظ المعطى، نحو ذِبْحٍ ورِعْيٍ للمذبوح والمَرْعيِّ. وقيل: هو بالفتح مصدر، وبالكسر اسم، وفي العُرف ما ينتفِعُ به الحيوان.
والمعتزلةُ لما أحالوا تمكينَ الله تعالى من الحرام لأنه منَعَ من الانتفاع به وأمرَ بالزجر عنه قالوا: الرزقُ لا يتناول الحرام، ألا ترى أنه تعالى أسند الرزقَ إلى ذاته إيذانًا بأنهم يُنفِقون من الحلال والصِّرْف، فإن إنفاقَ الحرام بمعزل من إيجاب المدح، وذمَّ المشركين على تحريم بعض ما رزقهم الله تعالى بقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنزَلَ الله لَكُمْ مّن رّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلًا} جعلوا الإسنادَ المذكورَ للتعظيم والتحريضِ على الإنفاق، والذمَّ لتحريم ما لم يحرّم، واختصاصَ ما رزقناهم بالحلال للقرينة.
وتمسكوا لشمول الرزق لهما بما رُوي عنه عليه السلام في حديث عَمْرو بن قرَّة حين أتاه فقال: يا رَسُول الله، إنَّ الله قد كَتَبَ عَلَيَّ الشِّقْوَةَ، فلا أرى أُرْزَقُ إلاَّ مِنْ دُفِّي بِكَفِّي، فَأْذَنْ لِي فِي الغِنَاءِ، من غيرِ فَاحِشَةٍ، من أنه قال عليه السلام: «لاَ آذَنُ لَكَ وَلاَ كَرَامةَ، ولا نُعْمَةَ عَيْنٍ كَذَبْتَ أيْ عَدُوَّ الله، والله لَقَدْ رَزَقَكَ الله حَلاَلًا طَيِّبًا، فَاخْتَرْتَ ما حَرَّمَ الله عَلَيْكَ مِنْ رِزْقِهِ مَكَانَ مَا أَحَلَّ الله لَكَ مِنْ حَلاَلِهِ» وبأنه لو لم يكن الحرامُ رزقًا لم يكن المتغذي به طول عمره مرزوقًا، وقد قال الله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا} والإنفاقُ والإنفادُ أخوانِ، خلا أن في الثاني معنى الإذهاب بالكلية دون الأول، والمرادُ بهذا الإنفاق الصَّرْفُ إلى سبيل الخير، فرضًا كان أو نفلًا، ومن فسَّره بالزكاة ذكر أفضلَ أنواعه الأصلَ فيه، أو خصصه بها لاقترانه بما هو شقيقُها، والجملة معطوفة على ما قبلها من الصلة، وتقديمُ المفعول للاهتمام، والمحافظةِ على رؤوس الآي، وإدخال من التبعيضية عليه للكف عن التبذير.
هذا وقد جاز أن يراد به الإنفاقُ من جميع المعاون التي منحهم الله تعالى من النعم الظاهرة والباطنة، ويؤيده قوله عليه السلام: «إن علمًا لا يُنال به ككنز لا يُنفق منه» وإليه ذهب من قال: ومما خَصَصْناهم من أنوار المعرفة يَفيضون. اهـ.